طالب الدكتور عبدالعزيز الصويغ الكاتب بجريدة المدينة بالكشف الحكومي عن سرقة المال العام عبر التعاقد وبمبالغ مالية كبيرة جدا مع شركات لتنفيذ مشاريع حكومية ثم تقوم تلك الشركات بالتعاقد مع شركات بالباطن بمبالغ أقل وهكذا حتى يتضح أن المبلغ انخفض لقيمة تقل كثيرا جدا عن المبلغ الحقيقي الذي التهمته الشركة الأولى ..
الدكتور الصويغ ضرب مثلا بشركة سعودي أوجيه التي يملك جزء كبير منها ابناء الراحل اللبناني رفيق الحريري معتبرا أنها هامور يبتلع الأموال دون وجه حق ..!!
نص المقال
ضحكتُ في سرّي وأنا أقرأُ عن موظفة شركة الاتصالات في دولة الإمارات التي تمكّنت من اختلاس 27 مليون درهم على مدى سنتين، دون أن يتنبّه إليها أحد في الشركة. فقد كانت الموظفة التي أُنيطت بها مهمّة إدارة الموارد البشرية لشركة الاتصالات الإمارتية تقوم بتحويل دفعات منتظمة من حسابات الرواتب إلى حسابها الشخصي في أحد البنوك المحلّية، وبواقع مليوني درهم لكل دفعة، لأكثر من عامين. وقد لاحظ البنك تضخم حسابها في فترات وجيزة، وأرسل خطابًا إلى الشركة التي تعمل فيها، يتساءل فيه عن حقيقة المبالغ المودعة. وهو ما جعل إدارة الشركة تكتشف أن الموظفة اختلست مبلغ 27 مليون درهم من أموال الشركة، فأجبرتها على تقديم استقالتها، وإعادة المبلغ كاملاً. وهكذا كانت الصدفة وحدها وراء الكشف عن السرقة، بينما كانت الشركة ومسؤولوها نائمين في العسل.
غير أنّي عدتُ لأبكي بحرقة، بعد أن قرأتُ عن صدفة أخرى حدثت هذه المرة لدينا في المملكة. فقد كشفت صحيفة وكاد الإليكترونية ما أسمته «سرقة قانونية» بين شركات سعودية، حيث تعاقدت الدولة مع شركة سعودي أوجيه على تطوير طريق الملك عبدالله في الرياض بعقد قيمته 698 مليون ريال. سعودي أوجيه من جهتها تعاقدت بالباطن، وأسندت العمل في المشروع إلى شركة الأحدية بقيمة 400 مليون ريال. شركة الأحدية أسندت العمل في نفس المشروع إلى شركة الإسناد بقيمة 75 مليون ريال. وشركة الإسناد تعاقدت بالباطن، وأسندت العمل في المشروع نفسه إلى شركة إنجاز السلام بقيمة 18مليونًا ومئتي ألف ريال!! (وكاد - الخميس 18 سبتمبر 2008م). ما حدث ذكّرني بقصة قرأتها قديمًا من أن أحد السلاطين أراد زيارة إحدى المدن التابعة لسلطنته، فخصص مبلغ مائة ألف دينار لتزيين المدينة، وإنارة طرقها وأزقتها.
وسلّمها إلى وزيره الأوّل الذي استدعي القائم على بيت المال، وقام بتسليمه خمسين ألف دينار للقيام بالمهمّة، فقام وزير المال باستدعاء مساعده الأوّل، وسلّمه خمسة وعشرين ألف دينار لإنجاز المهمة، وقام هذا باستدعاء مدير مالية المدينة المعنية وسلّمه اثني عشر ألفًا وخمسمائة دينار لتزيين المدينة احتفاء باستقبال السلطان، فقام مدير المالية باستدعاء عمد الأحياء، وطلب منهم الأمر على صاحب كل بيت يطل على الشوارع التي سيمر منها السلطان بوضع الإنارة والزينة أمام منازلهم، احتفاء بزيارة السلطان لمدينتهم. وهكذا انتهي الأمرُ بأن تحمّل أبناءُ المدينة تكاليف الزيارة السلطانية!!
المهم أن موقع وكاد الإليكتروني يقول إن هذه «السرقه القانونيه» تم كشفها بالصدفة، «بعد توقف العمل بالمشروع بسبب خلاف بين الشركات المتعاقده بالباطن.»
* وسؤالي هنا: هل مثل هذا التصرّف هو أمر معتاد في المشاريع الحكومية التي نُفّذت على مدى العقود السابقة كلها؟ وكم هي المشاريع المماثلة التي تمت بنفس الأسلوب؟ وكم من آلاف البلايين ضاعت على الدولة، وابتلعتها مثل هذه الشركات؟!
* لكنني أعود وأحمدُ اللهَ على أن الشركة المعنية لم تُجبر السكان الذين تقع بيوتهم أو متاجرهم على الشارع بالقيام بتحمّل تكاليف تطوير طريق الملك عبدالله على حسابهم الخاص!!
* وأخيرًا.. لا أتوقّع بالطبع أن يتم إعادة فتح التحقيقات في المشاريع الحكومية التي تمت على مدى العقود السابقة، وإعادة ما تم ابتلاعه من أموال، لكنني أتساءل: هل ستتحرك الجهات المسؤولة لتحرّي حقيقة الأمر في هذا المشروع الذي يتم في أحد الطرق الرئيسية في عاصمتنا الحبيبة؟