حين طُلب من مراهقات وضع لائحة عن الأشخاص الذين يفضلن الحديث معهم، كانت المفاجأة أن الأم جاءت أخيراً. وأشارت هذه النتيجة «غير المتوقعة» لدراسة قام بها خبراء اجتماعيون إلى اختلال العلاقة بين الأم والابنة.
وبرّر العديد من المراهقات ذلك في كون «الأمهات لا ينصتن»، ما يجعل الأصدقاء ـ وحتى العالم الافتراضي الذي تنسجه خيوط الشبكة العنكبوتيةـ «الملاذ الأفضل» لتفريغ الشحنات والتعبير عما يراودهن.
ورأى أستاذ علم الاجتماع حسين العثمان الذي اشرف على الدراسة أنّ عدم إنصات الأمهات لبناتهن المراهقات يفسّر خشيتهن من أن يعرفن أشياء لا يرغبن بمعرفتها كتورط بناتهن في علاقات عاطفية، أو أن يضطررن للإجابة عن أسئلة ما زالت تعدّ من المحرمات بخاصّة الجنس.
ويضيف العثمان بأنّ هذا الأمر أشبه بـ «دفن الرأس في الرمال». فهو لا يفيد بل يزيد المشكلات تعقيداً مشيراً إلى أنّ «الحوار الإيجابي مع المراهقات يحميهن من الانزلاق في أتون الانحراف، لا سيما أنّ شلة الرفاق التي ستصبح مرجعيتهن غير مؤهلة أصلا للقيام بتلك المهمة التي تحتاج إلى خبرة وحكمة».
أمهات مشغولات
تقول إحدى المراهقات: «لا أتذكر أنني اشتركت مع أمي في حوار من أي نوع، كل ما تفعله من أجلي هو ترك المصروف بجانب المزهرية الخضراء». «هي لا تعلم أني أحتاج للتكلّم معها».. وتضيف أنها اختارت صديقتها شذى بديلاً متاحاً للاستشارة والاستماع. وأنهما تتحدثان معاً عن كل شيء: الموضة، الشبان، الدراسة، برامج التلفزيون، آخر الألبومات الغنائية، وعندما تصطدمان بما لا تعرفانه تلجآن الى الإنترنت الذي يجيب من دون «حرج أو تهرب».
أمّا مها وأعضاء شلتها فأجمعن أن «ماما دائماً مشغولة» على رغم أنهن اختلفن في تفسير أسباب الانشغال. تقول مها: «ماما أستاذة جامعية يستهلك عملها كل وقتها وأعصابها وبالتالي، فالمنزل بالنسبة إليها هو للراحة فقط».
أما سارة فتقول «ماما بتهلك بشغل البيت والتنظيف ورعاية إخوتي الخمسة ووالدي»، وهكذا فوالدتا مها وسارة مشغولتان بالعمل إما خارج المنزل أو داخله.
غير أن اللافت كان تفسير "ن.أ" لانشغال والدتها عن الاستماع إليها، إذ قالت «ماما مهووسة بقوامها، هي على أبواب الأربعين وهو أمر يثير قلقها». وتضيف: «تتردد أمي باستمرار على مراكز اللياقة البدنية والتجميل والأسواق لتبدو أصغر. أما أنا ففي آخر سلم اهتماماتها». وأجمعت فتيات الشلة أيضاً على «حبّ أمهاتهن» على رغم الاهمال المعنوي الذي يعانين منه.
الحوار ضرورة
ويلعب الحوار بين الأم وابنتها المراهقة دوراً أساسياً وفق تقريرات اختصاصيي علم النفس. فهو يقلّص فارق العمر بين جيلي الأمهات والبنات ويساعد البنات في تعزيز ثقتهن بأنفسهن ويحقق لهن الاستقلالية. كما أنّه يبقي الأمهات قريبات من بناتهن ومطلعات على مشكلاتهن وهمومهن، ما يمكّنهن من «التدخل السريع عند الحاجة».
ويعتقد الدكتور وليد شرف ـ أخصائي علم النفس ـ أنّ المراهقات يخسرن كثيراً بابتعادهن عن أمهاتهن. إذ أن القرب من الأم «يقدم الدعم النفسي للنمو، ويخفف من مشاعر الكبت والقلق والخوف».
ويحدد الدكتور شرف جملة مفاهيم خاطئة تعوق الحوار بين الأم وابنتها من أبرزها التعليقات الجارحة أو الاستهزاء بكلام المراهِقة، وكثرة مقاطعتها وعدم الاكتراث بها، وإصدار الأحكام المسبقة قبل الانتهاء من الحوار، والاتهام المباشر واللوم والتهكّم واستخدام الألفاظ النابية أثناء الحديث.
ويشدد شرف على أن «معطيات العصر المغرقة بالرقمية أثرت في العلاقة بين الأم وابنتها المشغولة بالكومبيوتر والهواتف» منبهاً الأمهات الى ضرورة أن تشعر الفتاة باستمرار بأن أسرتها هي ملاذها لمواجهة المشكلات التي تعترضها