بدأت الكارثة في تلك الليلة الممطرة ، كنا نتناول طعام العشاء عندما رن جرس الهاتف.
رفع زوجي سماعة الهاتف، ولكن لم يتكلم أحد، مرت لحظات ليستمع إلى الصوت ثم وضع السماعة وعاد إلى المائدة.
مرت دقائق ورن جرس الهاتف مرة أخرى، وفي هذه المرة خف ابني الصغير ورفع السماعة، ,أيضا لم يكن هناك سوى السكوت.
شعرت بالقلق، كنت أراقب زوجي بطرف عيني، وكنت أنتظر أن يقول شيئا.
في كل ليلة كان الجرس يرن ولم يكن غير ذلك المجهول، أدركت من خلال سكوت زوجي ونظراته أنه بدأ يشك في.
أصبح سيء المزاج وعصبيا، وكان يصرخ بي وبطفلي لأقل الأشياء.
كان يتنازل عشاءه ويلج غرفته ويغلق الباب على نفسه، فكرت أن أذهب إليه في غرفته وأقبل قدميه وأبكي وأقول له:
صدقني يا ماهر، إنني لا أعرف ذلك المجهول، وعندما أقف خلف الباب أتراجع عن قراري وأعود إلى غرفتي لأحتضن طفلي في الظلام وأبكي.
كان الوقت منتصف الليل عندما رن جرس الهاتف كخنجر يمزق صدري.
نهضت برعب وأسرعت إلى الصالة قبل أن يستيقظ زوجي، رفعت السماعة وانتظرت:
مريم أليس كذلك؟؟؟
كان صوت رجل تنم لهجته عن إنسان غير مهذب.
نعم، أنا مريم، من تكون يا سيد؟؟؟
أجاب بلهجة تشوبها ضحكة ماجنة:
أنا من يعرف سر حياتك، هل يسرك أن أخبر زوجك العزيز بذلك؟؟؟
شعرت بأنه يمزق نياط قلبي وصرخت به غاضبة:
لماذا تزاحم الناس أيها الأبله؟؟؟
فأجاب:
أنا الأبله أم أنتي يا بنت الملجأ، يا من تربيتي في ظل عائلة معروفة ثم لتصبحي زوجة مهندس؟؟؟ إنني أعرف كل شيء عن حياتك، هل تودين أن أطلع زوجك على ماضيك؟؟؟
اختنقت بعبرتي، فقدت القدرة على الكلام، والمجهول عندما رأى سكوتي قال:
يكفي هذا القدر في هذه الليلة، أردت أن أحيطك علما بأني أعرف أسرارا عن حياتك .
شهقت ببكائي، قلت له:
أيها الظالم، يا عديم المروءة، لماذا تلعب بحياة الآخرين وسعادتهم؟؟؟
قهقه الرجل المجهول وقال:
برهني على أن سعادتك مهمة بالنسبة لك..... سأتصل غدا.
شعرت بالانهيار والرعب... فجأة سمعت زوجي يخاطبني بلهجة مهددة:
مع من تتحدثين؟؟؟
أجبت مرتبكة:
لا أحد، مزاحم يهذي.
قال زوجي وهو يطفح غضبا وشكا:
نعن ، إنه مزاحم لا يعجبه صوتي.
أجبته وأنا أبكي:
صدقني يا ماهر إني لا أكذب.
إن هذا الغريب يريد أن يدمر حياتنا.
أهمل زوجي كلماتي، لم يعرها أي اهتمام، وعاد أدراجه إلى غرفته ليغلق الباب وراءه بعنف.
أما أنا فرميت نفسي فوق السرير ودفنت وجهي في الوسادة ... وبكيت.
تساءلت عن هذا المجهول الذي يريد أن يعبث بحياتي؟
هذا ظلم..ظلم... إنني أحب زوجي وطفلي.... ولا يحق لأحد أن يسلبني هذه السعادة.. أدركت أن هذا المجهول يعرف سر حياتي.
أجل، إنه صادق في دعواه، فأنا كنت لقيطة.. لدي إضبارة في أحد ملاجئ طهران، إضبارتي تتضمن معلومات عن حياتي:
تقول الاضبارة: (( أن رجل مجهول يودع طفلة صغيرة لدى قسم الأطفال الرضع ثم يغادر المكان دون أن يترك عنوانا، على أني لم أع ِ ما حولي إلا في ظل أسرة ثرية، فعشت منعمة مع أب رحيم ، وأم مغرورة وأنانية كانت تعاملني ببرود قاتل، وكنت ألعب مع أخ أصغر مني.))
كنت فارغة البال، أعيش في أحلام ملونة من دنيا الطفولة البريئة، وكبرت.. أصبحت فتاة في السابعة... وفي تلك الأيام عصفت بأحلامي وأمنياتي عاصفة الحقيقة.
ذات يوم وعندما كنت أتجول مع إحدى الخادمات أفشت إلي السر الكبير:
هل تعلمين يا مريم بأنك لست ابنة لهذه الأسرة... لقد كان عمرك عامين عندما جاءوا بك إلى هذا البيت وتبنتك الأسرة لأن السيدة لم تكن حتى ذلك الوقت تنجب أطفالا.
عدت إلى البيت وأنا أبكي... ذهبت إلى غرفتي مباشرة ولم أحيي أحدا أو أتحدث مع أحد.
وداهمتني حمى رهيبة في تلك الليلة ولزمت فراشي، تحولت إلى مخلوقة أخرى أنفر من الجميع.. ولم أجرأ على فتح الموضوع مع أبي..
كنت أخشى أن أسمع هذه الحقيقة من فمه فينقطع أخر خيوط الأمل.
أصبحت وحيدة ومنزوية، وكانت آهاتي وحسراتي تتضاعف كل يوم وتنفذ في أعماقي أكثر فأكثر.
وشعر أبي بالقلق إزائي... كان يحبني ويعطف علي.
واجتاحتني رغبة عارمة في معرفة أبوي الحقيقيين ولماذا تخليا عني...
في المدرسة... في البيت... في الشارع... في كل مكان كانت تجول الأفكار في خاطري... ترى أين والدي الآن؟ ورسم خيالي صورة لأمي.. في الشوارع كنت أحدق في وجه كل امرأة تصادفني لعلي أجد وجها يشبه الصورة التي رسمها الخيال في أعماقي.
كنت في السنة الأخيرة من الإعدادية عندما طرق بيتنا خاطب.
شاب متعلم من أسرة غنية تخرج من كلية الهندسة.
ليؤسس له شركة تجارية معتبرة.
أقيمت حفلة العرس في أحد فنادق طهران الكبرى ، وكان الاحتفال كبيرا... وهكذا انتقلت إلى بيت الزوجية دون أن يعلم زوجي سر حياتي، من أجل هذا وافقت على أن أدفع مبلغا من المال مقابل سكوت ذلك الرجل الذي اتصل هاتفيا.
كان الوقت صباحا وكنت في المطبخ عندما رن جرس الهاتف.
وكان على الخط رجل مجهول، قال لي:
إذا أردت أن يبقى سرك مدفونا إلى الأبد... فعليك أن تحضري ((خمسين ألف تومان)) إلى المطعم الفلاني، واتركي المبلغ تحت طاولة الصالة ... وينتهي الموضوع... لأنني لن أتصل بك بعد هذا...
بقيت حائرة مشتتة الفكر.. قررت أن أدفع المبلغ، كنت أشعر بالرعب إذا ما عرف زوجي سري وطلقني.
فتحت الصندوق.. وأخذت خمسين ألف تومان... كانت أول مرة أفعلها وكنت أخشى أن يشعر زوجي بأني أخذت نقوده..
وضعت المبلغ في جريدة ووضعتها في حقيبتي.
في العصر توجهت ‘إلى المطعم.. ووضعت المبلغ في المكان المتفق عليه.. وعندما غادرت المطعم لمحت شابا يرتدي لباسا رثة، عبوس الوجه يعبر الشارع متوجها إلى المطعم... وكان ينظر إلي.
عندما عدت إلى البيت شعرت أن هما ثقيلا ينزاح عن كاهلي، فأحسست بالهدوء، إن كل شيء قد مضى ولم يبقى هناك ما يهدد حياتي الزوجية.
كنت قلقة لو أن زوجي شعر بالمبلغ الذي أخذته .
كنت أفكر بسذاجة...
مر أسبوع عندما رن جرس الهاتف في منتصف الليل... ولم يكن غير ذلك الشاب المجهول.
فقلت له بلهجة فيها غضب:
ماذا تريد مني هذه المرة؟
قال بلهجة فيها تهديد:
أريد مبلغا آخر من النقود
أعدت سماعة الهاتف بعنف، وعندما عدت واجهني زوجي بنظرات عجيبة.. قال بلهجة فيها تأنيب:
أشم رائحة خيانة في البيت.. رائحة سرقة ورائحة كذب لم يعد لي مكان هنا..
قال هذا وعاد إلى غرفته ليرتدي بدلته..
عندما مر أمامي ليخرج اعترضت طريقه، تعلقت به، بكيت، قلت له:
صدقني يا ماهر أنا لم أخنك أنت مخطئ
وضاعت كلماتي ودموعي... مر أسبوع وأنا أنتظر ... كنت أبكي ليل نهار.
كلما اتصلت هاتفيا بمنزل والدته كانوا يلتزمون الصمت عندما يعرفون صوتي...
وبقيت أتجرع مرارة الوحدة بين جدران بيت مترع بالحزن والهم واليأس... وخلال تلك المدة كان الشاب يتصل كل يوم ويهددنني.
كان وقت الغروب عندما رن جرس الهاتف... فجأة اشتعلت فكرة شيطانية في أعماقي، يجب أن أقتل هذا الرجل.. هذا المجهول الذي دمر سعاتي..
رفعت السماعة وكان على الخط ذلك الشاب، وراح يتهددني في هذه المرة قلت له:
تعال إلى المنزل.. أنا وحدي في البيت، تعال إلى هنا لأعطيك المبلغ الذي أردته.
بعدها ذهبت إلى المطبخ..وأخذت سكينا ووقفت في البهو أنتظر .
الساعة كانت تشير إلى الخامسة عصرا.. لقد دنت اللحظة المترقبة!!
طفلي نائما في غرفته.. في الساعة الخامسة وعشر دقائق سمعت صوت جرس الباب..
وجاء صوت أبي يقول:
افتحي الباب يا عزيزتي.. أنا أبوك !
وكانت لحظات مثيرة، لحظات اللقاء ... أدرك أني في أزمة مدمرة، هتف بي:
ماذا حصل؟ ماذا جرى؟!
ألقيت بنفسي على صدره الدافئ وانخرطت في بكاء مرير.. قلت له كل شيء.. قلت له إنني أنتظر هذا الذي دمر سعادتي وبيتي... قلت له أن السر الذي أخفيته عني دمرني الآن.
قلت له:
أين أبي وأمي، يا أبي؟؟
ربت الأب على كتفي بحنان ومسح على أهدابي قطرات الدمع العالقة، وقال:
يجب أن أتصل بزوجك قبل كل شيء. . يجب أن يحضر حالا لأطلعه على السر...
كان أبي قد تحدث مع زوجي .. عندما دق جرس الباب... لقد جاء الشاب.. نعم، إنه الذي رأيته في الشارع المقابل للمطعم..
وعندما وضع الشاب قدمه في البهو .. وكانت عيناه تتأرجحان بشكل جنوني، صاح أبي :
تقدم أيها اللئيم..تقدم يا حقير!
تكوم الشاب في زاوية، فبدا مثل مجرم تعرض لضرب مبرح.. لم يتأخر زوجي .. جاء في الوقت المناسب ... وكانت لحظات مثيرة... هيمن صمت ثقيل كسره أبي:
إنه سوء الظن الذي دمر حياتكم.. أتعرف من كان يتصل بزوجتك هاتفيا؟؟؟ إنه هذا الشاب الضائع... الذي طالما أحسنت إليه يوم كان يعمل في شركتي.. لقد طردته بسبب خيانته! هذا المدمن.. سمع بعض الأشياء عن ابنتي مريم... لهذا أراد أن يبتزها مقابل السكوت...
ولكنك أسأت الظن في زوجتك!
إنني أجد نفسي مضطرا لأبوح بسرا كتمته سنينا طويلة... حتى مريم لا تعرف الحقيقة.. لأنها هي الأخرى تظن نفسها لقيطة...
كنت يومها شابا.. أحببت فتاة طيبة.. ولكنها كانت من أسرة فقيرة... ووقفت أمي في طريق الزواج سدا، وحاولت المستحيل لتمنعني.. ومع ذلك فقد تزوجت منها سرا... وكانت ثمرة زواجنا ابنة اسمها مريم .. وهي زوجتك هذه ..مريم ابنتي الحقيقية .. ولقد أخطأت في حقها.. خطأ فادحا أرجو أن تسامحني ...
وعندما عرفت أمي بالحقيقة أقامت الدنيا ولم تقعدها... وأجبرتني على الطلاق ... ولم تكن مريم سوى طفلة عمرها شهور، وهكذا بقيت أنا وهذه الطفلة.. كنت أفكر في مستقبلها .. أودعتها إلى الملجأ.
ولم يكن أمامي سوى الزواج من ابنة الخالي... وكانت حياتنا الزوجية يلفها الصقيع .. كانت عقيما... فانتهزت الفرصة وعرضت عليها أن نتبنى طفلا يتيما...
وهكذا ذهبت إلى الملجأ وعدت أحمل بين ذراعي ابنتي مريم ... لقد آليت على نفسي أن أكتم هذا السر.. لم أبح ه لأحد حتى لهذه اللحظة...
هذه يا بني زوجتك الطيبة الطاهرة... لقد أرادت أن تدافع عن أمنها وحياتها الزوجية وسعادتها.
لم أتحمل ، أجهشت بالبكاء .. وكان بكاء فرحة كبرى لم يتحملها صدري.. واحتضنت أبي وأشبعته قبلا كانت مخزونة في قلبي سنين طويلة..
وتكلم زوجي؟؟ جاءت كلماته هادئة مفعمة بالود!
أنا أعتذر إلى مريم... لم يكن ما حصل مهما.. وحتى لو كانت فتاة من ملجأ فهي زوجتي التي أعتز بها .
وفي هذه اللحظة أدار أبي قرص الهاتف وطلب من الشرطة الحضور لاعتقال ذلك الخائن الذي أراد تدمير حياتي.