الناكثون : هُم الذين نكثوا بيعتهم ، ونقضوا ما عاهدوا عليه الله في التضحية والطاعة للإمام علي ( عليه السلام ) .
فانسابوا في ميادين الباطل وساحات الضلال ، وتَمرّسوا في الإثم ، وقد أجمع فقهاء المسلمين على تأثيمهم ، إذ لم يكن لهم أي مُبرّر في الخروج على السلطة الشرعية التي تَبنّت المصالح العامة ، وأخذت على عاتقها أن تسير بين المسلمين بالحق المَحِض ، والعدل الخالص ، وتقضي على جميع أسباب التَخلّف في البلاد .
ومن أعلام الناكثين : طلحة ، والزبير ، وعائشة بنت أبي بكر ، ومروان بن الحكم ، وغيرهم من الذين ضاقوا ذرعا من عدل الإمام ( عليه السلام ) ومساواته .
دوافع التَمَرّد :
والشيء المحقَّق أنه لم تكن للناكثين أيّة أهداف اجتماعية ، وإنما دفعتهم مصالحهم الخاصة ، لنكث بيعة الإمام ( عليه السلام ) .
فبعد أن تقلّد الإمام ( عليه السلام ) طلب طلحة والزبير منه منحهما ولاية البصرة والكوفة .
فلما خيّب ( عليه السلام ) أملهما ، فأظهرا السخط ، وأسرعا إلى مكة لإعلان الثورة عليه ، وتمزيق شمل المسلمين .
وقد أدلى الزبير بتصريح أعرب فيه عن أهدافه ، فقد أقبل إليه وإلى طلحة رجل فقال لهما : إن لكما صحبة وفضلاً ، فأخبراني عن مسيركما وقتالكما ، أشيء أمركما به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟
فسكت طلحة ، وأما الزبير فقال : حُدّثنا أن هَاهُنا بيضاء وصفراء – دراهم ودنانير – فجئنا لنأخذ منها .
وأما عائشة فإنها كانت تروم إرجاع الخلافة إلى أسرتها ، فهي أول من قدح زناد الثورة على عثمان ، وأخذت تلهب المشاعر والعواطف ضده ، وقد جهدت على ترشيح طلحة للخلافة ، وكانت تشيّد به في كل مناسبة .
وأما بنو أمية فقد طلبوا من الإمام ( عليه السلام ) أن يضع عنهم ، ما أصابوا من المال في أيام عثمان ، فرفض الإمام ( عليه السلام ) أن يضع عنهم ، ما اختَلَفوه من أموال الأمة ، فأظهروا له العداء ، وعملوا على إثارة الفتنة والخلاف .
وعلى أي حال ، فإنه لم تكن للناكثين نزعة إصلاحية ، أو دعوة إلى الحق ، وإنما كانت بواعثهم الأنانية ، والأطماع ، والأحقاد على الإمام ( عليه السلام ) ، الذي هو نفس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وباب مدينة علمه .
خديعة معاوية :
وأيقن معاوية بأهداف الزبير وطلحة ، فقام بدوره في خديعتهما وإغرائهما ، ليتخذهما سُلّماً يعبر عليهما لتحقيق أهدافه ومآربه .
فقد كتب إلى الزبير رسالة جاء فيها : ( لعبد الله الزبير أمير المؤمنين ، من معاوية بن أبي سفيان سلام عليك ، أما بعد : فإني قد بايعتُ لك أهل الشام فأجابوا واستوسقوا كما يستوسق الجلب ، فدونك الكوفة والبصرة لا يسبقك إليها ابن أبي طالب ، فإنه لا شيء بعد هذين المصرين ، وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك ، فأظهروا الطلب بدم عثمان ، وادْعُوا الناس إلى ذلك ، وليكن منكما الجِدّ والتشمير ، أظفركما الله وخذل مناوئكما ) .
ولما وصلت هذه الرسالة إلى الزبير لم يملك إهابه من الفرح والسرور ، وخفّ إلى طلحة فأخبره بذلك .
فلم يَشُكّا في صدق نيته وإخلاصه لهما ، وتحفّزا إلى إعلان الثورة على الإمام ( عليه السلام ) ، واتّخذا دمَ عثمان شعاراً لهما .
مؤتمر مكة :
وخفّ المتآمرون إلى مكة ، فاتخذوها وكراً لدسائسهم التخريبية الهادفة لتقويض حكم الإمام ( عليه السلام ) .
وقد وجدوا في هذا البلد الحرام تجاوباً فكرياً مع الكثيرين من أبناء القبائل القرشية ، التي كانت تكنّ في أعماق نفسها الكراهية والحقد على الإمام ( عليه السلام ) ، لأنه قد وَتَر الكثيرين منهم في سبيل الإسلام .
وعلى أي حال فقد تداول زعماء الفتنة الآراء في الشعار الذي يَتَبَنّونه ، والبلد التي يَغزُونها ، وسائر الشؤون الأخرى التي تضمن لثورتهم النجاح .
فخرجوا بالمُقَرّرات الآتية :
1 - أن يكون شعار المعركة دم عثمان ، والمطالبة بثأره ، لأنه قُتل مظلوماً ، واستباح الثوّار دمه بعد توبته بغير حق .
2 - تحميل الإمام علي ( عليه السلام ) المسؤولية في إراقة دم عثمان ، لأنه آوَى قَتَلَتَهُ ، ولم يَقتصّ منهم .
3 - الزحف إلى البصرة واحتلالها ، واتخاذها المركز الرئيسي للثورة ، لأن لهم بها حزباً وأنصاراً .
الخطاب السياسي لعائشة :
وخطبت عائشة في مكة خطاباً سياسياً حمّلت فيه المسؤولية في إراقة دم عثمان على الغوغاء ، وقد قتلوا عثمان بعد ما أقلع عن ذنوبه وأخلص في توبته ، ولا حُجّة لهم فيما اقترفوه من سفك دمه .
وقد كان خطابها فيما يقول المحققون حافلاً بالمغالطات السياسية ، إذ كانت هي بالذات من أشد الناقمين على عثمان .
فقد اشتدّت في معارضته وأفْتَتْ في قتله وكفره قائلة : اقتلوا نعثلا فقد كَفَر .
وعلى أي حال ، فقد كان خطابها أول بادرة لإعلان العصيان المُسلّح على حكومة الإمام علي ( عليه السلام ) .
وكان الأَولى بعائشة بحسب مكانتها الإجتماعية ، أن تدعو إلى وحدة الصف ، وجمع كلمة المسلمين .
وأن تقوم بالدعم الكامل لحكومة الإمام ( عليه السلام ) ، التي تمثل أهداف النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وما تَصبُوا إليه الأمة من العِزّة والكرامة .